كان المشهد السياسي للصومال يتسم في الأونة الأخيرة بتدهورات سياسية لم ينج منها القاصي والداني والصغير والكبير بل جعل المرأة الحاملة تتابع أخبار الصومال عن كثب حتي نسيت جنينها الذي كان في أحشائها فضلا عن الشخص العادي، وهذا إن د ل علي شيئ فإنه يدل عن التغيرات التي طرأت علي الساحة الصومالية والتي جعلت الولدان شيبا وتسبب أحيانا وقوع معارك شرسة بين الأطراف المتصارعة علي السياسة الصومالية التي استعصت لدي كثيرمن السياسيين والأكاديميين لفك طلاسمها وعُقدها، وهذا النوع من السياسة التي يعيشها المشهد السياسي الصومالي هي أقبح سياسة علي الإطلاق، لوعرة مسالكها وضيق أرجائها وضعف أفق سياسييها الذين يقدمون المصالح الشخصية والأغراض الفردية عن مصلحة الشعب وبالتالي يفتقرون إلي أبسط الأبجديات السياسية.
وبما أن ذالك النوع من السياسة هي التي تقود البلد فمن الصعب بمكان أن تأتي السفينة إلي برالأمان بسلام وبهذا أصبح الحل بعيد المنال.
المشهد الأول: سلسلة إنفجارات هزت العاصمة الصومالية مقديشو.
شهدت العاصمة الصومالية مقديشو في الشهور الأخيرة سلسلة إنفجارات وهجمات إنتحارية ما أسفر عن قتلي وجرحي وخلل أمني بصفة عامة في أمن العاصمة الذي أصبح في الأونة الأخيرة تحت رحمة حركة الشباب لكثرة الهجمات والإنفجارات التي تنفذها الحركة داخل مؤسسات الدولة أو المرافق الحكومية، وكان الهجوم الإنتحاري الذي تعرض لمقر السفارة التركية في السابع عشر من يوليو في العام الجاري هو الأشنع رغم قلة خسارته، إذكانت سيارة مفخخة إنفجرت علي باب المقر.

وكانت كل تلك الإنفجارات بما فيه إنفجارالسفارة التركية قد أعلنت حركة الشباب مسؤوليتها، وهذا إن دل علي شيئ فإنه يدل علي فشل قوات الحكومة الصومالية في أمن العاصمة. وبما أن قضية الأمن هي الأولوية الأولي إذا لا حياة بدون أمن فإن الحكومة الصومالية قد تكاسلت لسد ذالك الفراغ الأمني فراحت الأفعي التي كانت تختفي من وراء الكواليس تتحرك من داخل جحرها لثثير القلاقل والبلبلية بين البسطاء وهاجت لأجل ذالك في العاصمة عاصفة من التغيرات الأمنية كأنها الريح العقيم ما تذر من شيئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم، وكانت الثلاثة الشهور الأخيرة أفلت فيها أمن العاصمة بصفة كبيرة، ويرجع سبب ذالك حسبما وصف المراقبون الصوماليون غياب الإستراتيجية الأمنية والسياسات غير الحكيمة التي أخذتها الحكومة حيال قضية الأمن والتي أدت إلي إستقالة كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية وإنشغالها بالخلافات الجانبية، أثر كل ذالك سلبا علي الحالة الأمنية المتهالكة في العاصمة مقديشو.
ويعتقد السياسي الصومالي محمد جامع فارح أن الحكومة الصومالية فشلت في دفع عجلة الوئام الإجتماعي إلي الأمام ذالك أن القوي المهيمنة علي القرار الصومالي تبذل قصاري جهدها في الطريقة التي تمكنهم البقاء علي المناصب دون بذل أي جهد في سبيل العمل.
ويقول أيضا السيد جامع"إن الوضع الأمني في مقديشو منهار جدا، وأنه ليس هناك قدرة لتحسينه ما لم يتغير العقلية التي يفكر بها الرئيس الصومالي"
لقدطالت الإنفجارات والهجمات الإنتحارية في العاصمة مقديشو بكافة أحيائها وخصوصا في الأشهر الأخيرة أكثر من اللازم، ولا يزال إستهداف المرافق الحكومية يتكرر في كل حين مثل مكتب رئيس الوزاراء حيث فجر أمامه إنتحاري، وتم إستهداف وفود أجنبية كانت في إستضافة الحكومة الصومالية كما تم إستهداف عدد كبير من سيارات المسؤولين بالألغام المحكمة عن بعد.
وكان الرمضان الأخير هو الأكثر هجوما علي الحكومة إذ أنه يمثل موسما للحروب التي تخوضها حركة الشباب مع الحكومة ذالك أنهم يعتقدون أن فيها ليلتي البدر والقدر إذ أن من أدبياتهم يكون من يموت في مثل هذه الليالي من أهل الجنة إسنتادا للتاريخ الإسلامي حسب تفسيرهم.
إزاء هذا الإنفلات الأمني الذي يسود العاصمة الصومالية فإن وزارة الداخلية والأمن القومي تتوعد يوما بعد يوما علي أنها سوف تطبق خطة أمنية جديدة إلا أن الواقع يدل عكس ذالك تماما إذ أنها غير قادرة لتقديم أي خطة، ذالك أنها تواجه صعوبات إدارية ومالية كما أنها تفتقد المهنية في هذه القضايا الحساسة.
إن الوضع الأمني في العاصمة لا يبشر بالخير ويبدوا أن الحكومة قد إنشغلت عنه بالخلافات السياسية والشؤوون الخارجية، وإذا استمر الوضع كذالك فسوف تواجه الحكومة هجمات لا تحمد عن عقباها.
المشهد الثاني: مقاطعة حكومة بونت لاند بالحكومة الصومالية.

في السادس من أغسطس الماضي أعلنت حكومة بونت لاند قطع العلاقات بينها وبين الحكومة الصومالية وذالك في بيان صحفي صدر عن مكتب رئيس إدارة بونت لاند عبدالرحمن فرولي والذي أثار جدلا واسعا علي الساحة السياسية الصومالية، وعلي الرغم من أن هنالك دواعي ذالك القرار إلا أن العلاقات الأخيرة بين حكومة بونت لاند والحكومة الصومالية لم تكن تأوي إلي ركن شديد، وخصوصا لدي ولادة إدارة جوبا التي أدت تباينا وتفاوتا في الأفكار بين الحكومة الصومالية التي كانت تبذل قصاري جهدها لإفشال ذالك المشروع-إن صح التعبير- وبين حكومة بونت لاند التي كانت تسعي لترسيخ إدارةجوبا، وذكر مركزالشاهد الذي أعد تقريرا تجاه تلك القضية أن من دواعي ذالك القرار كان:
1-تنامي الشكوك في جدية الحكومة لتحقيق النظام الفيدرالي.
2-الخلاف الدستوري بشأن تشكيل أنظمة للأقاليم الصومالية
3-الخلاف حول إدارة "جوبا" المهمة في نظر القادة السياسيين في بونت لاند والشعور العام لدي الحكومة الصومالية أن تعمل علي إجهاض ميلاد إدارة جوبا في جنوب الصومال.
أيا كانت دواعي ذالك القرار التي إتخذته حكومة بونت لاند ضد الحكومة الصومالية فإن القرار أثار أزيزا كأزيز المرجل أو كخلية النحل من داخل المشهد السياسي الصومالي، ولايزال السياسيين الصوماليين يرون أراء مختلفة تجاه قرار حكومة بونت لاند الذي جاء في غير مظانه.
وحسبما نص تقرير مركز الشاهد واجهت الحكومة الصومالية ذالك القرار بحفاوة بالغة إذ قال الناطق الرسمي للحكومة عبدالرحمن يريسو في مقابلة خاصة مع القسم الصومالي لإذاعة (بي بي سي) قال" إن الحكومة الصومالية أاْسفة جدا من قرار إداراة بونت لاند بشأن تجميد علاقاتها مع مقديشو معتبرا ذالك خطوة تنطوي علي مجازفة لا تشجيع وحدة الصومال علي حد تعبيره، وأضاف أن الإتهامات التي وجهتها إدارة بونت لاند للحكومة المركزية غير صحيحة"(1)
لكن كثيرا من المحللين الصوماليين وصفوا تلك المقاطعة من حكومة بونت لاند ضد الحكومة الصومالية غير صالح لرئيس إدارة بونتلاند الذي سيواجه بلده عما قريب معركة إنتخابية ربما من الممكن أن تنتقم الحكومة الصومالية فيها وتبذل قصاري جهدها لدعم منافسيه لوصول سدة الرئاسة وإخراج صاحب المقاطعة من كرسي الرئاسة، وإذا فعلت ذالك سيكون صفعة شديدة علي جبين حاكم بونت لاند عبدالرحمن فرولي.
المشهد الثالث: إتفاقية أديس أبابا واعتراف الحكومة بإدارة جوبا.

ما إن تم إنتخاب أحمد مدوبي رئسا لإدارة جوبا حتي طفقت الحكومة الصومالية ترويج قضية كسمايو بصورة واضحة وكأنها تقع من كوكب أْاخر غيرالأرض، فكانت الحكومة الصومالية الوليدة التي رافق مسيرتها بمعارضة كثيرة وهي لم تكتمل السنة الأولي تشعل القضية من جانبها لإفشال ذالك المشروع أو لإخضاع جوبا تحت سيطرتها إلا أن هذا الأمر أثار ضجة كبيرة بين المسرح السياسي الصومالي، و خصوصا إدارة جوبا عندما تناهي ذالك الخبر إلي سمعهم، فكان جوا من سوء التفاهم بين الحكومة وإدارة جوبا يسود الموقف حتي إستفحل الوضع وسبب أخيرا لمعركة شرسة بين إدارة جوبا ومليشيات وصفت الإدارة أنها ممولة من قبل الحكومة الصومالية وطال الحديث فحدث هناك ما هو غني عن التعريف والبيان.
كانت قضية جوبا قد طال حديثها وتطاول ليلها حتي عقدت أخيرا الحكومة الإثيوبية مؤتمرا في أواخر شهر أغسطس في هذا العام واستضافت فيه كلا من رئيس الحكومة الصومالية وقائد جوبا أحمد مدوبي، وبعد مد وجزر تم توصل الطرفان إلي إتفاقية سميت فيما بعد ب(إتفاقية أديس أبابا)، ولسنا هنا بصدد الحديث عن بنود الإتفاقية التي تم التوصل بها إلي كل من الطرفين، إنما الذي أريد أن أشيره هو أن تلك الإتفاقية قد حسمت الحديث الكثير والجدل الكبير حول قضية جوبا، وكان ذالك مشهدا مثيرا في المسرح السياسي الصومالي الذي يعاني من الأزمات والتعقيدات ما يندي له الجبين وينفطر القلب لأجله كمدا.
المشهدالرابع: مقتل أبو منصور الأمريكي في إقليم باي.

في الحادي عشر من سبتمبر الجاري مساء الأربعاء قتل عمر حمامي المعروف بأبي منصور الأمريكي علي أيدي مسلحين تابعين لأمير حركة الشباب أحمد عودني في محافظة باي جنوب غرب الصومال، وكانت الولايات المتحذة رصدت مكافأة مالية قدرها خمسة ملايين دولار لمن قتل ذالك الرجل أو قدم عنه معلومات، ويبدوا أن أمريكيا وجدت ضالتها من حيث لا تشعر كما يبدو أن أمير حركة الشباب غودني قد فاز بتلك الجائزة العظيمة سواء نالها أو لم ينلها، ويجئ مقتل عمر حمامي المشتهر بأبي منصور الأمريكي إثر إنشقاقات إندلعت بين مسؤووليي حركة الشباب مؤخرا ما أسفر عن مقتل كثير من قادة الحركة بما فيه عمر حمامي المقتول مساء الأربعاء في قرية نائية بإقليم باي تسمي دينسور. وذكر قيادي بارز من الحركة وهو فؤاد شنغلة في محاضرة ألقاها في أحد مساجد بولوبردي أن مسلحي حركة الشباب كانو يخططون لإغتيال أبي منصور الأمريكي في الأونة الأخيرة نتيجة الخلافات المتصاعدة بينه وبين أمير حركة الشباب، كما تلقي الأمريكي سابقا لهجوم أسفر عن إصابته بجروح في الرقبة.
إنضم الأمريكي إلي ركب قاقلة الأسرة الجهاديين الصوماليين في أيام المحاكم الإسلامية، وكان يشتغل في أوساط الحركة منصب رئيس جبهة بنادرحسبما قررت مصادر للحركة وقد ساهم كثيرا من المعارك التي خاضت الحركة، لكن زملاءه الذين كانوا في الدرب الواحد أنهوا حياته في أاْخر المطاف.
وظلم ذوي القربي أشدمضاضة** علي المرء من وقع الحسام المهندي.
المشهدالخامس: الهجوم الإنتحاري الذي استهدف موكب أحمدمدوبي.

في الثاني عشر من سبتمبر الجاري أستهدف رئيس إدارة جوبا أحمد مدوبي هجوما إنتحاريا هو الأول من نوعه شهدت كسمايو منذ أن دخلت جيوش التحالف فيها أواخر عام 2012م، وجاء ذالك إثر عودته من مقديشو صباح اليوم الخميس، وتعرض موكب أحمد مدوبي للهجوم الإنتحاري أثناء سيرهم في أحد شوارع المدينة حين صدمت سيارة مفخخة بالسيارة التي كانت تقل أحمد مدوبي والوفد المرافق له، ورغم ثقل الهجوم الذي اُعد له إلا أنه نجي بأعجوبة.
وقد تبنت حركة الشباب مسؤوليتها عن ذالك الهجوم في رسالة وضعتها علي حسابها علي التوتير، ويعتبر ذالك الهجوم فشلا لحق بالقوات الأمنية في كسمايو إذا أن وقوع مثل ذالك الهجوم الإنتحاري في موكب مسؤول رفيع المستوي فشل ذريع بالدرجة الأولي صحب بالقوات الأمنية، ويتزامن الهجوم الإنتحاري بعد إتفاقية أديس أبابا التي أشارت للحركة بالتصالح مع أعدائها-حسبما يعتقدون- أو شيئا من ذالك القبيل، وكانت حركة الشباب تنفذ عملياتها في مدينة كسمايو وما حولها بين حين وأاْخر، وارادت الحركة ذالك الهجوم أن تنهي حياة أحمد مدوبي مرة واحدة الذي إستعصي أمره لديهم وسبب إخراجهم من المدينة الساحلية التي طالما أنعموا فيها.
المشهدالسادس. مؤتمر برسلس وتأثيره علي المشهد السياسي.

إنعقدت دولة بلجيكا يوم الإثنين الماضي الموافق 16من سبمتبر الجاري مؤتمرا إستضافت فيه طرفين هما الحكومة الصومالية وإدارة جوبا، وجاء هذا المؤتمر بعد إتفاقية أديس أبابا في أواخر شهر أغسطس الماضي والتي توصل فيها الطرفان إلي حل مشكلة طالما تمخض عنها نزاع طويل وتجاذبات سياسية بين الحكومة الصومالية وإدارة جوبا حول ذالك الإقليم المهم بذاته، وبما أن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أاْمل مؤتمر برسلس ووصفه بالنجاح إلا أن المشهد السياسي الصومالي يشهد مظاهرات حاشدة خصوصا في مدينة بيدوه -التي تدعو إلي النظام الفيدرالي- ضد ذالك المؤتمر.
ومؤتمر برسلس هذا يعتبر هو الأول من نوعه من حيث المساندة التي وجدت الحكومة الصومالية فيه، وأعرب الرئيس الصومالي حيال المبالغ الهائلة التي تفضلت بها الأمم المتحذة والهيئات الدولية علي الحكومة أنها ستستعمل لبناء الصومال من جديد في غضون الثلاثة السنوات الباقية من حكمه.
وبما أن الوقت مبكر للحديث حول مؤتمر برسلس إلا أنه يبدوا إيجابيا لصالح الحكومة الصومالية إذ وجدت مساندة مالية غير قليلة قدرها1.8 يورو، وقلما كانت تجد في المؤتمرات الأخري التي عقدت للشأن الصومالي في الخارج.
وعموما فإن المشهد السياسي الصومالي يزخر بالتطوات ومن الصعب بمكان التكهن عن السيناريوهات القادمة كما أن التوصيف في الحالة المقبلة هي رجما بالغيب. وربما الأيام المقبلة حبلي بأحداث كثيرة لايعلمها إلا العلام الغيوب.